تدريس الأعداد الكبيرة
- Date 2020-01-19
الإشكالية
تعد مشكلة الأعداد الكبيرة في القاعات الدراسية، سواء في المدارس أو الجامعات، من المشاكل البارزة التي تؤرق المعلمين والترويين وكل المعنيين بجودة النظام التعليمي التربوي، وإن هذه الشكلة رغم الظروف الخاصة بكل دولة، إلا أنها أصبحت مشكلة عالمية وظاهرة واضحة، خصوصاً أثناء سنوات التعليم الجامعية الأولى والثانية.
ولجعل أسلوب المحاضرة أكثر كفاية، والتعلم أكثر فاعلية، سنلخص بعض القضايا والاستراتيجيات المتبعة لتدريس الأعداد الكبيرة.
1- تسهيل التعلم النشط الفعال
- المناقشة والحوار مع الطلبة: فقد أظهرت الأبحاث نجاحها في الحصول على تعلم أفضل.
- طرح الأسئلة الجيدة: وهو ما من شأنه زيادة التفاعل الصفي.
2- تشجيع الكتابة من قبل الطالب في الفصول كبيرة العدد
فوائد الكتابة لا يمكن الاستغناء عنها أو تهميشها، وفي هذا الجانب يمكن تبني بعض الأنشطة الكتابية لتحسين الانتباه للمحاضرة، وفي ذات الوقت دون تحمل عبء تصحيح هذه الأوراق المكدسة.
ومن هذه الوسائل:
- ورقة الدقيقة الواحدة The Minute Paper .
- استجابة نصف الورقة Half-Sheet Response .
وهنا يمكن استثارة بعض الأسئلة، مثل:
- ما أهم ما تعلمته في المحاضرة؟
- ما هو السؤال المهم الذي ظل دون إجابة؟
- ما هي الفائدة التي حصلت عليها اليوم؟
- ما هي النقطة الأكثر غموضاً؟
- هل تم عرض الموضوع بطريقة وافية؟
وطبقاً لهاتين الوسيلتين يطلب من الطلبة كتابة إجابة على سؤال، أو تعليق على مفهوم معين، أو الاستجابة لتوجيه معين من المدرس.
وبعد الانتهاء من الكتابة هناك عدة خيارات متاحة أمام المحاضر، منها:
- جمع الوراق لتصحيحها، وهذا طبعاً عمل منهك للمدرس.
- تقسيم الطلبة إلى ثنائيات أو مجموعات من أجل مراجعة ومناقشة الأعمال الكتابية.
- قراءة عينة من أوراق الطلبة وليس كلها، ومن ثم إعطاء تعقيب وتقييم عام على الموقع الخاص بالمساق، وبهذا يستطيع الطلبة مقارنة جهودهم من خلال الاطلاع على تقييم المدرس.
3- طرق أخرى للحفاظ على اندماج الطلبة وإثارة اهتمامهم
من هذه الطرق طريقة وعاء السمك، المناظرة، المقابلات، تقديم العروض.
1- طريقة وعاء السمك Fishbowel
- مجموعة من الطلبة يتم اختيارهم لمثلوا أمام الحضور لإجراء نقاش معهم حول نقاط معينة يتم تحديها مسبقاً.
- قبل نهاية المحاضرة يطلب من الملاحظين كتابة ملخص للنقاش أو أي أسئلة لم تطرح، أو إضافة بعض النقاط التي لم يتم ذكرها.
- إن هذه الطريقة تستند إلى التعلم عن طريق الملاحظة، وبالتالي تساعد على تركيز انتباه الطلبة على أداء المجموعة التي تمثل المدرس.
ب. المناظرة Debate
من الممكن إحياء جو المحاضرة بترتيب المناظرات بين أعضاء الهيئة التدريسية أو بين فرق من الطلبة، وقبل إجراء المناظرة بين الطلبة لابد من توضيح المطلوب منهم، مثل: القضية المطروحة للنقاش، مدة الحديث، التدخل للمعارضة، والهدف من المناظرة كأسلوب تعليمي.
أما إذا كان الموضوع المطروح للجدل مرشح للتحيز القوي من كلا الطرفين، فهنا يستطيع المدرس أن يحدد مام المجموعات إما معارضة أو مؤيدة، وخلال المناظرة يمكن الاعتماد على مجموعات الطلبة المشكلة التي من شأنها أن تقيّم الفرق المتناظرة بتدوين نقاط الملاحظة، وإيجاد الحلول، آخذة بعين الاعتبار بعض الثوابت والدلائل والقيم الإيجابية أو السلبية.
ج. المقابلات Interview
آلية المقابلة إما أن تكون على شكل حوا ثنائي بين المدرس مع زميل آخر لديه وجهة نظر مختلفة حول موضع معين، أو مع أي زائر ذو خبرة خاصة في مجال معين، أو مقابلة مع طالب من ذوي التجارب المميزة.
د. تقديم العروض Presentations
لعل هذا الأسلوب بات مألوفاً لدى الكثيرين، حيث إنه إذا ما قُدّم بطريقة صحيحة وهادفة، فإنه يدعم عملية التعلم ومخرجاتها، ويحفز دافعية الطلبة الذين لديهم اهتمامات وخبرة خاصة في مجالات معينة، كما أن تقديم العروض يمنح الطلبة الفرصة للاستفادة من خبرات الزملاء.
لكن يجب الانتباه إلى أن تقديم الموضوع عن طريق قراءته يحتاج إلى تدخل المعلم الذي عليه أن ينمي مهارة العرض لدى الطلبة بحيث تثير الاهتمام والانتباه عند الآخرين، أما بالنسبة للطلبة الخجولين فبالإمكان مساعدتهم بتقديم العرض على هيئة مقابلة بين المدرس والطالب، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراء الخاص بترتيب وتنظيم المقدمين للعروض: الأول، فالثاني …
4- مجهولية الطلبة – التعرف عليهم
من المشاكل الرئيسة المتعلقة بالفصول كبيرة العدد أن الطالب يشعر أنه غير معروف، مجهول بالنسبة للمدرس، ففي هذا السياق أظهرت الأبحاث الاجتماعية والنفسية أن الأشخاص غير المعروفين أو أنهم مجرد أرقام لدى الآخرين، يشعرون أنهم أقل مسئولية، وهذا ليس من شأنه فقط تدمير الروح المعنوية والالتزام والنظام، ولكن أيضاً إعاقة عملية التعلم.
علاوة على ذلك فإن الشعور بوجود مسافة وبُعد بين المعلم والمتعلم من ناحية، وفقدان الروابط الشخصية مع الزملاء من ناحية أخرى، من شأنها أن تقضي على الدافعية للتعلم، فكلما كان العدد أكبر كلما قلت مشاركة أو تطوع الطالب مداخلة أو سؤال، وعلى الرغم من ذلك فإن لطلبة الذين يفضلون العزلة ربما يكونوا من أكثر الناس حاجة لأن يجدوا من يحترم أفكارهم.
ولإذابة الجليد بين المدرس والطالب هناك عدة خطوات يمكن اتباعها:
- الإعلان من قبل المدرس عن استعداده لمقابلة أي طالب في جو غ ير رسمي بعد المحاضرة.
- الطلب من بعض الطلبة الانضمام للمدرس للتعارف بشكل أكبر بعد المحاضرة.
- التحاور والتحدث مع الطلبة الذين يصلون عادة مبكراً إلى قاعة المحاضرات لتعزيز مزيد من الألفة والتعارف بين الطلبة والمدرس.
- توزيع بعض نماذج الملاحظات الخاصة ببعض الطلبة لمناقشتها مع المدرس بعد الانتهاء المحاضرة.
- استعمال جدول بأماكن الجلوس المعتادة لمناداة الطلبة بأسمائهم، لأن ذلك يزيد الألفة ويشعر الطالب بقربه من المدرس.
- تعبئة نموذج السيرة الذاتية للطالب يضم الاسم والعنوان والسنة الدراسية والتوقعات من المساق، أو عمل بطاقات بالاسم والصورة لمزيد من التعرف على الطلبة.
- كريس عمل المجموعات (الثلاث الذين يجلسون على نفس المقعد) الذي من خلاله يتم التعرف إلى أسماء أفراد المجموعة، مما يسهل بدوره حفظ اسم كل شخ منفرداً.
- خلال وقت المحاضرة يكن للمحاضر أحياناً التحرك بين الطلبة لالتماس بعض الملاحظات أو المواقف منهم.
5- تنظيم الموقف التعليمي
تنظيم الموقف التعليمي من أكبر التحديات التي تواجه عملية تدريس الأعداد الكبيرة المرتبطة بالتنظيم والتخطيط الجيد، وبين التدريس الارتجالي دون تخطيط مسبق الذي من شأنه أن يربك ويؤدي إلى تعثر الموقف التعليمي.
وفيما يلي بعض الأمور المرتبطة بعملية تنظيم الموقف التعليمي:
أ. استخدام الاختبارات الموضوعية أم المقالية
- الأسئلة المقالية تعد أعلى مرتبة من الأسئلة الموضوعية، حيث إنها تعطي مساحة للطالب للتعبير الحر عما تمت دراسته، كما أنها تؤثر على طريقة المذاكرة للامتحان، حيث إن هذا النوع من الأسئلة يدفع بالطالب إلى دراسة معمقة للمادة الدراسية.
- للتعويض عن تجنب إعطاء مثل هذه الاختبارات المقالية، على المدرس اختيار وصياغة الأسئلة الموضوعية بدقة، مع تضمين بعض الأسئلة المقالية، خاصة في الامتحانات النهائية دون زيارة العبء على المدرس، ففي هذا الإطار عادة قد لا يقرأ المدرس الإجابات المطولة لكل طالب، بل يقرأ بعض الإجابات التي تؤثر على التقدير الرتبي للطالب الذي يتم تقديره على أساس أعمال الفصل الدراسي بوجه عام.
ب. واجبات القراءة الخارجية
إلى جانب مشكلة صياغة الاختبارات وتصحيحها، تأتي مشكلة زيارة المكتبة والقراءة الخارجية، حيث إن النسخ المطلوبة غير متوفرة لأعداد من الطلبة قد تصل إلى 200-500 وكمخرج لهذه المشكلة فإن:
- المدرس يستطيع التنسيق مع أمين المكتبة لتوفير عدد من النسخ بتصويرها قبل زيارة الطلبة للمكتبة، وهذا قد يكون مكلفاً من الناحية الاقتصادية.
- استثمار التكنولوجيا مرة أخرى لإنقاذ الموقف، وذلك بعمل نسخة من الكتاب أو الكتب المطلوبة من قبل المدرس على شبكة الإنترنتe-books & e-library مما يسهل وصول كل طالب إلى الكتاب المطلوب وقراءته أو حفظه.
ج. التواصل مع الأعداد الكبيرة
للوهلة الأولى قد تبدو عملية التواصل مع الأعداد الكبيرة مشكلة صعبة، لكن تحديد مواعيد الزيارات المكتبية مع الطلبة في أوقات معلن عنها، يساعد في عملية التواصل، ويستطيع المدرس أن يتواصل مع طلبته في أي وقت وفي أي مكان خارج قاعة التدريس، وهذا الإجراء يتم من خلال التكنولوجيا بالشكل التالي:
- صفحة الجامعة.
- صفحة شبكة الإنترنت الخاصة بمساق معين webct home page ، حيث يستطيع الطالب الدخول إلى الصفحة على مدار 24 ساعة وطوال أيام الأسبوع، كما يستطيع المدرس إرسال أي ملاحظة عبر البريد الإلكتروني لكل طلبته، وبذلك يتمكن من إطلاع طلبته على آخر التطورات في المساق فيما يختص بـ: التنظيم، الواجبات، أوراق العمل، مواعيد الامتحانات، التاريخ النهائي لتسليم الواجبات، مواعيد اللقاءات المختلفة، وأي تغيير يحدث في وقت المحاضرات …إلخ.
د. تنسيق المساقات متعددة الشعب
هناك اتجاهين:
- تطبيق التماثل في محتوى المساق، تتابع المواضيع، الاختبارات، وضع الدرجات …، وكل ما يخص المساق، حيث يستطيعون الحصول بسهولة على خلفية موحدة لمحتوى المادة، وكذلك وجود امتحان نهائي واحد وخطة دراسية واحدة، مما يسهل انتقال الطالب من شعبة إلى أخرى دون أي صعوبة في الفهم والاندماج.
- الاتجاه الآخر هو على النقيض من الاتجاه الأول، حيث تكون كل شعبة مستقلة عن الأخرى رتبني تدريساً قائماً على مطلق الحرية للمدرس في تنظيم وإدارة الموقف التعليمي حسبما يرى أو حسبما يتمنى، ومن دون شك أن هذا الاتجاه له فاعليته، لكن هذه الاستقلالية في التدريس تعتمد على مدى وكيفية تدريب هؤلاء المدرسين أو مساعدي المدرسين في أداء مهامهم بطريقة فعالة.
خاتمة ..
لا شك أن حجم الطلبة في القاعة مهم، وذلك لأن القاعة قليلة العدد أفضل بكثير من القاعة كبيرة العدد من أجل تحقيق أهداف تعليمية طويلة الأمد كالتفكير الناقد، الاسترجاع، الفهم، المشاركة، استخدام المعرفة وتطبيقها في مواقف الحياة اليومية، وتغيير السلوك والمواقف إيجابياً.
وعلى الرغم من ذلك فبالتعامل والمعالجة السليمة مع القاعة كبيرة العدد، يمكن الوصول إلى مخرجات قريبة جداً من تلك التي يمكن الحصول عليها في القاعة النموذجية قليلة العدد، وذلك من خلال:
- استخدام طرق تدريس فعالة ومتنوعة لتسهيل التعلم الفعال والمجدي.
- استثمار تكنولوجيا التعليم في إثراء التدريس والأنشطة الصفية واللاصفية.
- إيجاد شعب/مجموعات للنقش تدار من قبل مساعدي تدريس مدربين.
إن الكلمة المحورية في التعلم الفعال هي التفكير، فمن خلال تطبيق الأساليب وطرق التدريس التي سبق ذكرها، يستطيع المدرس الجامعي أن يلغي الفكرة القائلة بأن نظام المحاضرات هو أسلوب يقود إلى سلبية المتعلم، وذلك من خلال: أنشطة تعمل على استفزاز التفكير الناقد، المناقشة، حل المشكلات، التعلم الإنساني، تشجيع استقلالية المتعلم، التنويع والإبداع والتغيير المستمر في طرق التدريس.
وهكذا يستطيع المدرس تحقيق تعلم فعال ونشط ومستمر حتى في قاعات المحاضرات الكبيرة.
إعداد:
أ.د. سناء إبراهيم أبو دقة – أستاذ علم النفس
د. محمد أحمد الحنجوري – أستاذ هندسة الحاسوب
#