اللقاء الأول في المساق
- Date 2020-01-19
إنها بداية الفصل الدراسي
الجو ملئ بالحيوية والإثارة، الكل يتطلع إلى بداية متميزة، كلٍ من المدرس والطالب يشعر برهبة اللقاء الأول، الطلبة يتساءلون: ما هي طبيعة المدرس، وماذا سوف نواجه في المساق من تحديات؟ والمدرس يتساءل: هل بإمكاني أن أنجز ما هو مخطط للمساق؟ وكيف سيكون تجاوب الطلبة معي؟
وفي الحقيقة لا يستطيع بعض المدرسين تحمل رهبة اللقاء الأول، فيتفادوه بتوزيع توصيف المساق، ومغادرة القاعة مبكراً، وهذا لا يستثمر إثارة اليوم الأول المملوء بالحيوية، كما لا يوصل الرسالة بأهمية المساق.
فعند التحضير جيداً للقاء الأول يكون المدرس في وضع ممتاز، مما يؤدي إلى إحساس الطلبة أنهم في أيدٍ أمينة، وبالتركيز على اهتمامات الطلبة يتم القضاء على الرهبة، ويصبح اللقاء مرتب جيداً ومتع … ومن الأشياء التي تزيل رهبة وتوتر اليوم الأول: تعريف الطلبة بما هو متوقع منهم، مما يؤدي إلى توجيه طاقاتهم نحو إنتاج مميز.
ومن الوظائف المهمة في لقاء اليوم الأول لأي مساق توفير هيكلية المساق، حيث يقوم المدرس بعرض خطة ومفردات المساق في هيكلية البرنامج بحيث يعرف الطلبة ما هو متوقع منهم منذ تلك اللحظة، وكذلك ما أهم ما يرغب الطلبة معرفته هو: عما يتحدث المساق، وما هي طبيعة مدرس المساق.
كما يرغب المدرس في معرفة: ماذا يتوقع الطلبة في هذا المساق، ولهذا السبب فإننا نقدم المقترحات التالية لتسهيل ذلك اللقاء على كلٍ من الطالب والمدرس:
إعداد المسرح
يجب على المدرس أن يأخذ في الاعتبار أن محاضرته ليست الوحيدة لدى الطالب، فيمكن أن يأتي الطالب إلى المحاضرة بعد زحمة مواصلات، أو من مبنى آخر داخل الجامعة، أو بعد محاضرة صعبة أو مملة، أو بعد تناول فطوره داخل الكافتيريا، ولذلك فإن من مهمة الدقائق الأولى من المحاضرة نقل تركيز الطالب وأفكاره باتجاه المدرس وموضوع المحاضرة.
ويمكن نقل الطالب إلى جو المحاضرة بسلاسة، أو الحصول على اهتمام الطالب عبر عمل أو تصرف دراماتيكي، لكن في تلك الحالتين يجب التفكير جدياً في إعداد المسرح لتنظيم إنجاز أهداف المساق، ويمكن التواصل مع الطلبة بدون كلام قبل أن يبدأ المدرس المحاضرة، وذلك عبر ترتيب أماكن الجلوس بطريقة معينة، أو تعليق أجندة، أو وضع المدرس اسمه على السبورة، أو تبادل الحديث مع الطلبة عن الجامعة، أو عن أي موضوع آخر بحيث يبدي المدرس اهتمامه بالطلبة.
وفي هذه الأثناء، وبينما يستمر الطلبة في التوافد على القاعة، يمكن للمدرس أن يقترح على الطلبة داخل القاعة التعارف فيما بينهم لحين بدء المحاضرة.
كسر الجليد
يمكن للمدرس أن يبدأ بالحديث عن تجربة معينة له في اللقاء الأول عندما كان طالباً، ويمكن كذلك أن يطلب من الطلبة رفع أيديهم حسب التخصص أو حسب المستوى الدراسي، معتمداً على طبيعة المساق (متطلب جامعة، متطلب كلية، تخصص)، شريطة أن يكون الهدف من ذلك معرفة مكونات الطلبة في المساق، والبدء بالمشاركة الفاعلة مع الطلبة.
وبالنسبة للمحاضرات ذات الأعداد الكبيرة، يمكن أن يقترح المدرس على الطلبة أخذ دقيقة أو اثنتين لكتابة كلمات أو عبارات تعبر عن شعورهم في اللقاء الأول لدراسة المساق، ومن ثم يسألهم عما كتبوا، ويسجل ذلك على السبورة … ثم يقوم المدرس بسؤال الطلبة: حسب اعتقادكم … كيف يشعر مدرسكم في اليوم الأول من المساق؟ وهذا سوف يستغرق قليلاً، لكن الطلبة سيقومون بعد ذلك بتدوين إجاباتهم.
وبعد ذلك يستطيع المدرس أخذ عينة من الطلبة، وتتم كتابة تلك الإجابات في عمود ثانٍ على السبورة، ومن ثم يعلن المدرس شخصياً عن شعوره، ويمكن للمدرس أن يعترف لطلبته برهبة اللقاء الأول، وقلقه حول كيفية تجاوب الطلبة معه كمدرس، أو مع المادة العلمية للمساق، وعدم تأكده من أن جميع الطلبة سوف يتجاوبون مع ذلك … ويحتاج الطلبة أن يعرفوا أن مدرسهم لديه الشجاعة والثقة للاعتراف بشعوره، وإذا ساور الطلبة الإحساس أنه ليس لدى مدرسهم الشخصية أو الخبرة أو المعرفة اللازمة، فإن ذلك يولد قلق وشعور سلبي لدى الطلبة.
وفي المحاضرات ذات الأعداد الصغيرة، يمكن أن يطلب المدرس من الجميع تقديم أنفسهم والتعارف، بما في ذلك المدرس، مثلاً: يعرف كل طالب عن اسمه، وتخصصه، ومستواه الأكاديمي، ومكان السكن، وغير ذلك من المعلومات ذات العلاقة، ويمكن أن يطلب المدرس من الطلبة القيام بـ (لعبة الأسماء)، وترديد أسماء من سبقوهم من الطلبة، وفي النهاية يقوم المدرس بترديد أسماء جميع الطلبة.
ورغم معرفة وترديد أسماء الطلبة، إلا أن الأهم بالنسبة للطلبة هو معرفة المزيد عن مدرسهم وطبيعته، وكيفية التعامل معه، ولذلك يجب إعطائهم الفرصة لتوجيه أسئلة مباشرة للمدرس، ويمكن الطلب من بعض الطلبة القيام بدور المحاور، وتوجيه أسئلة للمدرس بالنيابة عن بقية الطلبة.
وحتى وإن استطاع المدرس تذكر وترديد أسماء جميع الطلبة، فإنه لن يستطيع تذكرهم لاحقاً، فيمكن الطلب من الطلبة كتابة أسماءهم، وأرقام هواتفهم، وبريدهم الإلكتروني، وغير ذلك من المعلومات المهمة، ويمكن أن تتضمن معلومات أخرى مثل: التخصص، أو خصائص مميزة تساعد المدرس في التعرف على الطلبة،
وأثناء توفير المدرس لجو حرية الاتصال، يمكن له متابعة تقييم احتياجات الطلبة وتوقعاتهم وأهدافهم، ثم يقوم بتعريف الطلبة بتوقعاته وأهدافه، وذلك عن طريق طرح بعض الأسئلة.
طرح المسائل
طرح المسائل هي طريقة لتحفيز الطلبة على التفاعل والحيوية في المحاضرات، بغض النظر عن حجم الحضور، وفي اللقاء الأول يمكن للمدرس أن يبدأ بالتالي:
- دعنا نرى ما المسائل والمشكلات التي تتوقع ن تواجهنا خلال المساق؟
- وما الاهتمامات التي تعتقد بوجوب التعامل معها؟
- أو ما أهدافك لهذا المساق؟
- أو ماذا سمع عن هذا المساق؟
ويمكن للمدرس أن يسمح للطلبة ببعض الوقت لكتابة أسئلتهم، ثم بعد ذلك يقوموا بطرح تلك الأسئلة، ويكون دور المدرس تسجيل تلك الأسئلة على السبورة، أو تسجيل التساؤلات والإجابات على السبورة، ولضمان فهم المدرس لتلك الأسئلة يقوم بترديدها كما فهمها، وإذا ما شعر بغموض أو عدم وضوح بعض الطروحات، عليه الطلب من الطلبة إعطاء أمثلة على أطروحاتهم.
كما يمكن للمدرس السماح للطلبة الإجابة عن بعض تلك التساؤلات، وبهذا يتوجب عليه أن يكون مستعداً لقبول الاقتراحات كافة، سواء شعر بأهمية تلك الاقتراحات أم لا.
وعليه يجب أن يكون الجو العام جو قبول وليس جو تقييم، فيجب أن يكون لدى الطالب شعور أن لدى المدرس رغبة حقيقية بتقبل اقتراحاتهم، وفي نهاية طرح المسائل يسود جو التعارف ويكون الجميع قد اعتاد التفاعل النشط، وبهذا يكون المدرس قد بدأ الخطوات الأولى نحو تطوير نهج للفهم وليس المنافسة بين الطلبة للبروز.
ويجب على المدرس أن يغير من مفهوم أن تدفق كل معلومات ينبغي أن يكون من طرفه هو، كما يجب أن يشعر الطلبة أن مدرسهم يجيد الاستماع، بالإضافة إلى الحديث، كما يجب أن يشعر الطلبة بالمسئولية لحل مشكلاتهم فيما بينهم، بدل الانتظار للإجابة من قبل المدرس.
تقديم توصيف المساق
يعطي توصيف المساق أجوبة لبعض التساؤلات التي تم عرضها، إضافة إلى أن المدرس يعطي فكرة للطلبة عن طبيعة المساق، ويعتبر توصيف المساق عقد بين الطبة والمدرس لا يمكن لأي طرف تغيير أي بند فيه إلا بالتوافق بين الفريقين، فيتم خلال توصيف المساق تحديد ما هو متوقع من الطلبة، ومسئوليات المدرس، وكذلك مسئوليات الطلبة، ويتم خلال مناقشة توصيف المساق احتكاك ما بين الطلبة والمدرس، ولهذا يجب إعطاء الطلبة الوقت المناسب لقراءة ومناقشة توصيف المساق مع المدرس، ولهذا يجب تسجيل مدخلات الطلبة لضمان فهمهم ما هو متوقع منهم، ويمكن تغيير بعض بنود توصيف المساق بناءً على اقتراحات الطلبة إذا كان ذلك يؤدي إلى طريقة أفضل لإنجاز أهداف المساق.
كذلك يجب على المدرس التأكيد على عدالته وموضوعيته، كما يجب عليه أن يحدد بوضوح أهداف المساق.
الاختبارات، والدرجات والعدالة
تعبر الامتحانات والدرجات والواجبات عن موضوعية المدرس وعدالته، كما تعبر الدرجات عن أهم المحفزات للطلبة، وإن أبعد شئ يتوقعه الطلبة من مدرسهم أنه سوف يعطيهم الدرجات بناءً على طريقة غير عادلة، ولهذا يجب إيلاء عملية وضع الدرجات الوقت الكافي لمناقشتها وفهم كيفية ربط الدرجات والامتحانات بأهداف المساق.
ومن أبسط الطرق لإظهار موضوعية المدرس استعداده للجلوس مع الطلبة ونصحهم، وكذلك استعداده للاستماع للطلبة حول مشكلاتهم الصحية والصعوبات الشخصية، كذلك يجب إعلام الطلبة بساعات المدرس المكتبية، وإعلام الطلبة أنه بإمكانهم مناقشة بعض النقاط وطرح الأسئلة المختصرة بعد المحاضرة مباشرة، وخاصة إذا كانت تلك التساؤلات بسيطة لا تتطلب زيارة المكتب.
وفي المساقات المسائية يجب تخصيص وقت في المساء لرؤية الطلبة، وعادة اللقاء الأول ليس الوقت المناسب ليقوم المدرس بإعلام الطلبة بمحدودية قدراته ومعرفته، فالاعتراف بعدم إلمامه بموضوع معين يمكن أن يحدث بعد اللقاء الأول لكن ليس في اللقاء الأول، لأن الاعتذار مقدماً بعدم الخبرة أو الاختصاص يزيد من عدم شعور الطلبة بالارتياح، وعليه فالأصل أن يشعر الطلبة أن مدرسهم مؤهل جيداً وفي محل مسئولية ومحل الثقة الكافية، حتى ولو كان المدرس يرتجف من رهبة الموقف.
تقديم كتاب المساق (عرض محتوى المساق)
لمتابعة مناقشات اللقاء الأول، تتحول الأنظار نحو موضوع كتاب المساق، لذلك يجب على المدرس أن يفسر لماذا اختار الكتاب (شرح مميزات الكتاب)، مع التوضيح للطلبة كيفية الاستفادة المثلى من الكتاب، ويمكن للمدرس تقديم المراجع الرئيسة والثانوية للمادة (الكتب الأخرى المهمة التي عليها بعض التحفظات)، ويمكن أن يكون هنالك اختلاف ما بين رأي الكتاب المعتمد ورأي المدرس في بعض الأحيان، ولهذا يجب على المدرس أن يبين أن هذا الاختلاف مبني على الأدلة، وتوضيح ماذا يجب عمله عند حدوث ذلك، وبذلك ينجز المدرس شيئين:
- توضيح أن رأيه سوف يكون مبني على الأدلة.
- بيان أن هناك مشكلات في النظريات الحديثة، وبهذا يحفز الطلبة الجديين على المزيد من البحث.
أسئلة وردود أفعال
هنالك أسئلة يطرحها الطلبة بغرض امتحان المدرس والحصول على أكبر قدر من المعلومات حول شخصيته، ومن هذه الأسئلة:
- هل أنت مدرس صلب؟
- هل يساعد المدرس الطلبة بصدق؟
- هل المدرس شخص عادي، بالإضافة إلى كونه مدرس؟
- هل يقبل المدرس النقد؟
ويمكن للمدرس أن يطلب من الطلبة أخذ دقيقتين لكتابة ردود أفعال اللقاء الأول على ورقة مستقلة دون الحاجة لكتابة أسماءهم، وهذا ينجز شيئين أيضاً:
- يظهر المدرس رغبته في التعلم من الطلبة وبناء بيئة تعليمية بحيث يصبح الطلبة مسئولين ولهم تأثيرهم في عملية التدريس.
- يعطي المدرس تغذية راجعة تكون عادة مبنية على شكوك أو أسئلة يخشى الطلبة من طرحها شفهياً.
موضوعات المساق
اللقاء الأول مهم جداً، وعلى الرغم من أن الطلبة ليس لديهم واجب مسبق، إلا أن التطرق لموضوعات المساق، وإعطاء صورة عامة عن المساق، والإجابة عن بعض التساؤلات بهذا الخصوص مبكرة وشاملة عن موضوعات المساق، يؤكد المدرس من خلالها جدية العقد القائم بينه وبين طلبته حول حجم المادة العلمية التي ينبغي أن يغطيها في المساق.
مخرجات المساق
يمكن للمدرس خلال اللقاء الأول عرض مخرجات المساق التي تمثل الحد الأدنى الذي يجب أن يمتلكه الطالب من أجل اجتياز المساق بنجاح.
وتمثل مخرجات المساق: (المعرفة والفهم، المهارات الذهنية التحليلية، المهارات العامة القابلة للنقل)، وبذلك يكون لدى الطلبة الحافز الكافي، ومعرفة ما سوف يكتسبونه من خلال دراسة هذا المساق.
ويمكن للمدرس ربط مخرجات المساق بمخرجات البرنامج الأكاديمي ليعطي الطالب أهمية هذا المساق بالنسبة لبرنامجه الأكاديمي، وكيف أنه يقع ضمن خارطة المساقات المطلوبة للنجاح في البرنامج … المهم هنا هو التأكيد على أن وقت المساق مهم جداً، وبيان أن المدرس حريص على استخدام وقت المساق كاملاً في عملية التعلم، وأنه يأخذ وقت الطالب على محمل الجد.
وفي النهاية: اللقاء يجب أن يشعر الطلبة بأهمية هذا المساق، وبحماسة وحيوية مدرسهم، كما يمكن التأكيد للطلبة على مناسبة أنشطة المساق مع مخرجاته التعليمية، وأن جميع الأنشطة هي بغرض إنجاز أهداف المساق.
الخلاصة :
في نهاية اللقاء الأول يفترض أن يكن الطلب قد حصلوا على ما يلي:
- الشعور أين هم ذاهبون ، وكيف سوف يصلوا لإنجاز المساق بنجاح.
- الإحساس أن الطلبة الآخرين في المساق ليسوا غرباء، وأنهم أصبحوا فريق ويمكنهم المشاركة بحرية أمان في عملية التعلم.
- الإدراك أن مدرسهم مهتم بهم من حيث العملية التعليمية، وأن مدرسهم عادل ويتساوى لديه جميع الطلبة.
- التوقع أن هذا المساق سوف يكون مهم وممتع.
إعداد: د. حاتم علي العايدي – أستاذ هندسة الكهرباء
د. محمد أحمد الحنجوري – أستاذ هندسة الحاسوب